بسم الله الرحمن الرحيم،،،
بدء السفر
توكلت على الله وعزمت على السفر إلى اليابان بعد إنهاء دراستي
الجامعية في لايلبور ( فيصل آباد )
كنت أرسلت الجواز للتجديد في السفارة العراقية في كراجي مع زميل
عراقي وقال لهم أضيفوا اليابان للجواز فأضافوه . وبعد أشهر ذهبت لكراجي
لإضافة بلدان جنوب شرق آسيا للجواز فلم يضيفوه، وبهذا قدر الله لي وسهل السفر إلى
اليابان دون غيره . لأن التأشيرات كانت لا تعطى إلا إذا أضيف للجواز البلد الذي
تريد زيارته.
المحطة الأولى - الهند
أخذت الاستعداد للسفر بعد تخرجي في صيف1960م وبعد عناء التحويل
الخارجي ، إستطعت أن أدبر مائة جنيه إسترليني على شيك سياحي Traveler
cheque وهي تعادل الآلاف من الجنيهات في وقتنا الحاضر. سافرت إلى الهند
بالقطار إلى دلهي وبقيت فيها خمسة عشر يوماً. نزلت عند سيدة سويسرية في بانسيون،
كل الوجبات مع السكن بثلاثة عشر روبية . حاولت أن أحصل على إضافة بلدان جنوب شرق
آسيا للجواز من السفارة العراقية بدلهي لكي ازورها في الطريق ، وأرسلت السفارة
برقية إلى بغداد وانتظرت فلم أتلق جوابًا، فذهبت إلى لكنو عند الشيخ أبو الحسن
الندوي للانتظار شهر كامل فلم يأت جواب .
خلال بقائي في دلهي قابلت المرحوم مولانا محمد يوسف أمير جماعة
التبليغ وابن مؤسس الجماعة مولانا إلياس
قابلت مولانا محمد يوسف وناقشته فيه طريقة التبليغ بالدعوة وعن ضرورة
عدم صرف كلمة الجهاد إلى الخروج للدعوة فقط ويجب إعداد الأمة للجهاد الحقيقي، وأن
الإسلام وإن دعا للسلم وهو يريده دائما إلا أن الأعداء إذا رأوا قوة المسلمين لا
محالة سيضطهدونهم فإن لم تكونوا أعددتم أفراد الجماعة إلى الصبر والمصابرة، فإن
العقد سينفرط عند أول ضربة عليكم، لأن حكومة الهند تراقبكم . كان منطقي في ذلك
الوقت منطق الشباب المتحمس. وهنا شعر رحمه الله بالحرج وقال: إذهبوا أنتم أيها
العرب وقوموا بالجهاد الحقيقي، ونحن ندعو لكم . فكرت أخيراً وقلت في نفسي إن ظروف
وبيئة الجماعة تضفي عليها أحياناً طابعاً معيناً. إن تأسيسها من قبل المرحوم
مولانا إلياس في وسط مجتمع هندوكي، فمن الطبيعي أن يتبع طريقاً يتفق مع الوضع
الطبيعي للمسلمين . ألا ترى نفسية مسلمي بيروت الذين يعايشون ويساكنون المسيحيين
بنسبة 50% أنها تختلف عن نفسية مسلمي طرابلس الذين يشكلون 80% . ثم إن العرب
يصدرون الافكار وهم أبعد الناس عنها . أذكر مرة أننا كنا مجموعة من الشباب في
بغداد في أواسط الخمسينات الميلادية تعرفنا على الحاج عبد الكريم الشافعي الملحق
الصحفي لإندونيسيا ببغداد، وهو خريج دار العلوم بالقاهرة 1928م تقريبا وكان رئيسا
لجمعية شبان إندونيسيا في بغداد. كنا نناقشه عن ضرورة إتخاذ إندونيسيا الدستور
الإسلامي، فكان يلف ويدور بسبب مسؤوليته الحكومية . وانفجر يوماً في وجوهنا
قائلاً: أيها العرب، القرآن بلسانكم ، وانتم أهل الإسلام ولكنكم لا تتخذون الإسلام
دستوراً لحياتكم، فكيف تتوقعون من الإندونيسيين أن يختاروا دستوراً اسلاميًا،
والكثرة الكاثرة منهم لا تعرف الإسلام الحقيقي . فسكتنا مبهوتين، وكان معه بعض
الحق إن لم يكن كله .
خلال إقامتي في لكنو وهذه هي الزيارة الثانية لها ، حيث زرتها عام
1959م، ترسخت علاقتي مع الأخ محمد الحسني والأخ محمد سعيد الأعظمي ، وكتبت لهم
مقالة عن الدعوة الإسلامية في إفريقيا في النشرة الدولية التي يصدرونها .
تحدثت كثيرا مع أستاذنا أبي الحسن الندوي ورأيت حياته العملية عن قرب
وتهجده في جوف الليل وتقواه وبساطته . وكذلك تحدثت إلى أهل التبليغ عن الدعوة
. وخطبت في إجتماع لمسلمي لكنو وكان عددهم الثلاثين ألفاً عن السيرة
النبوية الطاهرة وكنت لابساً اللباس العربي .
يئست من الحصول على تأشيرة من حكومتي لزيارة بلدان جنوب شرق أسيا بعد
انتظار أكثر من شهر ونصف، فعزمت على السفر إلى اليابان مباشرةً ، فتحركت من لكنو
إلى "كلكته" ونزلت لأسبوع في المسجد الكبير الجامع في المدينة ولعل إسمه
"ناخودا مسجد" ، نزلت فيه ضيفاً على إمامه ، شيخ عربي من المدينة
المنورة "عمر كمال مدني" آكل شارب ثلاث وجبات يومياً، وكان يتردد
عليه رجل سعودي متزوج من إمرأة بنغالية . مكثت في كلكته أسبوعاً واحداً
إستعداداً للسفر. كلكته مدينة واسعة نفوسها مع الضواحي سبعة ملايين، رأيت فيها
أفواجاً من الاجئين البنغاليين المنهزمين من تعسف بني دينهم وجنسهم في محافظات
أسام قابلت الطلبة المسلمين وهم أول نواة لجمعية الطلبة المسلمين في الهند MSA . حجزت على باخرة شركةB.I .
BRITISH NAVIGATION المتوجهة
إلى طوكيو، حجزت في درجة متوسطة Bunked class ، ودفعت
أربعين باوند . وكان قد نصحني الأخ السعودي أن أحجز بهذه الدرجة وليس الدرجة
الثانية وثمنها ثمانون باوند لاستفيد من الأربعين جنيهاً إسترلينياً الأخرى لشراء
حاجات من هونك كونغ وأستفيد منها في اليابان. اشتريت صندوقاً لعفشي مع فراش بدل
كيس السياح الذي أحمله على ظهري، وذهبت للميناء بصحبة الأخ السعودي، وكنت ذلك
النهار مصاب بأنفلونزا حادة وصداع قوي لم أعهد مثله من قبل ولعل السفر كان
2/10/1960م .
الانطلاق من الهند
أقلعت الباخرة و تعرفت فيها على مساعد الطبيب المستر فريزرFrezer وهو
بنغالي مسيحي من باكستان الشرقية، الذي إعتنى بي خلال السفرة كلها، وتطورت العلاقة
معه وتعمقت أثناء السفر وبعده لسنين . ركب معي في الباخرة شاب ياباني إسمه
"جورج فوريا" Furuya وهو
مسيحي جاء للبنغال في الهند للدراسة بدعوة من النصارى، ولكنه لم يستطع أن يستمر
بعد ستة أشهر، وصاحبته أثناء الرحلة . وهذه الدرجة المتوسطة عبارة عن عنابر في قعر
الباخرة وتحت "الديك" أي سطح الباخرة ، وهي أحسن منه لأن الديك هو سطح
الباخرة المكشوف للشمس والمطر .
التوقف في رانغون – برما ( ماينمار )
وبعد ثلاثة أيام وصلنا رانغون عاصمة برما، وحاولت أن أنزل لأزور
المدينة إلا أنهم منعونا لأنهم قالوا إن ركاب الديك والدرجة الوسطى لا يحق لهم ذلك
لعدم حصولهم على تأشيرة، ولو كنت في الدرجة الأولى أو الثانية لسمحوا لي. بقيت
ثلاثة أيام في رانغون داخل الباخرة في الميناء، وكنت في الحقيقة أريد أن أتعرف على
أحوال المسلمين في برما، خصوصاً وأني تعرفت على شخص من أهالي رانغون في كلكته سافر
قبلي و واعدته أن ألقاه هنا بعد أن رجع من أداء الحج لذلك العام. وتكرر ذلك في
ميناء بينانغ وسنغافورة، لذا سميت هذه الدرجة المتوسطة درجة الحيوانات، وآليت على
نفسي إن شاء الله ألا أركبها بعد. وقد وفقني الله بعد أن أنهيت دراستي في اليابان
وعدت من طوكيو إلى العراق كانت معي ثلاث تذاكر طائرة – طوكيو بغداد، استعملت نصفها
للعودة عن طريق أمريكا وأروبا والنصف الآخر في السفرة للعالم الإسلامي من أجل
فلسطين عام 1967م بعد إحتلال بيت المقدس. تحركت الباخرة من ميناء رانغون الواقع
على دلتا نهر "إيراوادي"، وتذكرت طفولتي في الخامس إبتدائي ونحن نقرأ
جغرافية العالم وأنهار آسيا، فقد مر عليّ هذا الاسم. مما لفت نظري وأنا في مصب
النهر في البحر أن عددًا هائلاً من الزوارق الصغيرة تتحرك في البحر وعليها
صيادون مسلمون يؤدون الصلاة جالسين في الزوارق.
التوقف في بينانغ - ملايزيا
بعد سفر يوم وليلة على ما أظن وصلنا ميناء بينانغ Penang بماليزيا. وهنا أيضا منعونا من النزول، ولكنني رجوت الرجل المسؤول
ببوابة الباخرة، وهو ماليزي مسلم من أصل هندي، وقلت له إني أخوك، ولي معارف في هذه
المدينة، فاسمح لي بالنزول . وفعلا تركني أنزل. وأجرت " ركشا " يسحبها
صيني . والمدينة طابعها صيني، وإن أكثر سكانها مسلمون. فتشت عن السيد
"إبراهيم سا" وهو مسلم أصله من جنوب الهند وكنت أراسله من قبل، فوجدت
محلهم (محل عمه)، وقالوا إنه سافر إلى لندن لدراسة الحقوق. وقد وجدت أقرباءه من
الشباب ولهم جمعية الشبان المسلمين هناك، وهي لأبناء جنوب الهند، فأخذوني في سيارة
لهم ودرنا المدينة، وهي جميلة، وتعشينا في مطعم، وأخذوا لي فواكه، وأوصلوني إلى
الباخرة في الليل، حيث أنهم يعملون مفرغي بضائع، ولهم بواخر صغيرة تعمل في
الميناء. (الأخ إبراهيم لا يزال في لندن وأتواصل معه بين الحين والآخر وهو يعمل في
المؤسسات الخيرية 19 / 11 / 2014)
د/صالح السامرائي
رئيس المركز الإسلامي في اليابان
رئيس المركز الإسلامي في اليابان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق