بسم الله الرحمن الرحيم،،،
هنالك ثُلَّةٌ من اليابانيين ممن تعلم بقضية غرق
سفينة تابعة للبحرية العثمانية قبالة ساحل شبه جزيرة كيي قبل ١٢٥ عاما، لكن الجهود
بُذلت آنذاك والتي اتسمت بالإيثار من سكان محليين يابانيين في إنقاذ ورعاية طاقم
السفينة قد اكتسبت سمعة طيبة ما زالت مستمرة في تركيا التي كانت مركز الإمبراطورية
العثمانية في ذلك الوقت. وقد تعزز الشعور بهذه المودة من خلال ظروف مشتركة في
المعاناة من الجانبين جَرّاء معاهدات جائرة فرضتها القوى الغربية.
سمعة طيبة وليدة
الكارثة
وقد ترأس البعثة العثمانية الأدميرال علي عثمان باشا. ووصل مع طاقم السفينة المكونة من ٦٠٠ بحار ومسؤول على متن السفينة ارطغرل التي يبلغ وزنها ٢٣٤٤ طن وطولها ٧٦ متر إلى يوكوهاما في شهر يونيو/حزيران ١٨٩٠ بعد رحلة بحرية طويلة اكتنفها العديد من المشاكل لكن أثناء تواجد تلك البعثة في اليابان حظي الأدميرال بفرصة مقابلة الإمبراطور مييجي حيث قام بالتعريف عن السلطان العثماني من خلال تقديم هدايا ووسام بارز من الإمبراطورية العثمانية.
شاطئ محافظة واكاياما الصخري بالقرب من موقع غرق السفنية ارطغرل. |
بعد ثلاثة أشهر من الإقامة في اليابان، كان
من المقرر أن تبدأ السفينة ارطغرل الإبحار من يوكوهاما في طريق عودتها في الـ١٥ من
سبتمبر/أيلول وعندما حان وقت الإبحار خسر الطاقم حينئذ عددا من أفراده نتيجة
انتشار وباء الكوليرا، ولكن الأسوأ كان بانتظار البعثة التي كتب عليها الغرق. فقد
واجهت السفينة إعصارا بعد يوم من انطلاقها من يوكوهاما. وتقاذفتها الرياح والأمواج
طوال ليل الـ١٦ من سبتمبر/أيلول، وفي نهاية المطاف تحطمت السفينة على صخرة قبالة
جزيرة كيي أووشيما في منطقة كانساي والتي تقع فيها حاليا بلدة كوشيموتو بمحافظة
واكاياما.
وقد لقي ٥٨٧ بحارا ومسؤولا من بينهم الأدميرال علي عثمان باشا
وكابتن السفينة مصرعهم. علماً أنَّ سكان جزيرة كيي أووشيما قاموا بتحدي الإعصار
وبذلوا جهودا محمومة لإنقاذ ٦٩ فردا من طاقم السفينة. وقد وصلت أخبار أعمالهم
البطولية بسرعة إلى تركيا ما أدى إلى تدفق سيل من المشاعر المحبة لليابان. ولا
تزال هذه المشاعر متواصلة، مما أوحى بفكرة تصوير فيلم سينمائي ”Kainan 1890“ للحادثة من إنتاج ياباني تركي مشترك، وبحيث
يتم عرضه في مسارح كلا البلدين في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام ٢٠١٥.
معاهدات جائرة
إن إرسال بعثة نوايا حسنة من قبل
الإمبراطورية العثمانية إلى اليابان المتواجدة على الطرف الآخر من العالم كان
منبعه شعور بالمصير المشترك. فالعثمانيون يشبهون اليابانيين في أنهم كانوا أيضا
شعبا يفخر بحضارته. كما يشبهون اليابانيين في أنهم متأخرون كذلك عن نظرائهم
الغربيين في التطور الصناعي والاقتصادي كما أن كلا الشعبين عانيَا من الإهانة جراء
معاهدات جائرة فرضت عليهما من قبل القوى الغربية.
كما كان هناك كارثة بحرية أخرى وقعت قبالةَ سواحل شبه جزيرة كيي
قبل ٤ سنوات من غرق ارطغرل حيث سلطت الضوء على تصورات اليابانيين للتمييز من قبل
الغرب. فخلال هذه الكارثة، غرقت سفينة الشحن البريطانية ”نورمانتون“ في عاصفة
أثناء إبحارها من يوكوهاما إلى كوبي في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام ١٨٨٦.
وكان على متن نورمانتون ٢٥ مسافرا و٣٨ فردا من طاقم السفينة التي
يبلغ وزنها ٢٤٠ طن. وقد تمكن قبطان السفينة البريطاني و٢٥ فردا من طاقم السفينة
الأوروبيين – إنجليز وألمان – من ركوب قوارب النجاة والوصول إلى بر السلامة. وعلى
النقيض، فقد قضى الركاب الـ٢٥ وجميعهم من اليابانيين و١٢ فردا من طاقم السفينة
الآسيويين – هنود وصينيين – ولقوا حتفهم غرقا في البحر.
وصعق قادة حكومة مييجي في اليابان من المصيرين المتناقضين
للأوروبيين والآسيويين الذين كانوا على متن السفينة نورمانتون. ولكن المعاهدات
الجائرة التي سبق إبرامها مع القوى الغربية كانت تحرمهم من حق مقاضاة قبطان
السفينة وطاقمها. ثم عقد البريطانيون جلسة استماع في قنصليتهم بكوبي تحت إصرار
اليابانيين. وكانت النتيجة بعد ٦ أشهر من الواقعة أن تلقى قبطان السفينة عقوبة
بسيطة بينما تمت تبرئة أفراد الطاقم الأوروبيين بشكل كامل.
وأحدثت نتائج جلسات الاستماع حالة من الغضب في المجتمع الياباني.
وطالب الناس حكومتهم بإلغاء بنود المعاهدة التي تنقل السلطات القضائية إلى قنصليات
الدول الغربية. وقد كانت ردود الفعل الشعبي صاخبة جدا مما شكّل مشاعر إحباط وخيبة
كبيرة لدى حكومة مييجي. وفي نهاية المطاف، توصلت بريطانيا إلى إبرام معاهدة مع
اليابان في عام ١٨٩٤ تقر بموجبها بسلطة المحاكم اليابانية في مقاضاة البريطانيين
وبعد ذلك حذت القوى الغربية حذو السلطات البريطانية في هذا الصدد.
صورة للسفينة الحربية كونغو وهي راسية في الأستانة عام ١٨٩١. |
رد الجميل
وقد انتهزت الحكومة التركية الفرصة عام ١٩٨٥
لترد الجميل الذي أسدته اليابان لها قبل ٩٥ عاما. فقد كانت مجريات الحرب الإيرانية
العراقية تتصاعد في ذلك الحين، ووجه الرئيس العراقي صدام حسين في الـ١٧ من
مارس/آذار إنذارا مدته ٤٨ ساعة مفاده بأن جيشه سيبدأ باستهداف حتى الطائرات
التجارية فوق إيران. وجراء هذا التهديد علِق عمليا أُلوف المغتربين في البلاد، بما
فيهم أكثر من ٢٠٠ شخص من اليابانيين.
وقد أرسلت دول أخرى طائرات لإبعاد رعاياها عن الخطر. ولكن الحكومة
اليابانية التزمت بتفسير للدستور يمنع – منذ تعديله – إرسال طائرات تابعة لقوات
الدفاع الذاتي الجوية اليابانية من أجل مثل هذه الأغراض. كما تحفظت شركات الطيران
التجارية اليابانية عن القيام برحلات طيران مستأجرة بسبب وجود مخاطر.
وبدأ اليابانيون الذين تجمعوا في مطار مهرآباد الدولي في طهران
بفقدان الأمل بمغادرة البلاد. ولكن الحكومة التركية أرسلت طائرتين لنقل ٢١٥
يابانيا إلى بر الأمان استجابة لطلب من الحكومة اليابانية. ويجدر التنويه إلى أن
أكثر من ٥٠٠ من المغتربين الأتراك في إيران اضطروا للإجلاء عبر الطرق البريّة.
وعندما أعربت اليابان عن تقديرها للتصرف التركي في إنقاذ مواطنيها، أشار مسؤولون
أتراك إلى ما يكُّنُه شعبهم من عرفان بالامتنان وَرَّد للجميل حول كارثة السفينة
ارطغرل.
نصب تذكاري للسفينة ارطغرل في محافظة واكاياما. |
موقع اليابان